عدنان بن عبد الله القطان

29 ذو الحجة 1443 هـ – 30 يوليو 2022 م

————————————————————-

الحمد لله مصرف الأحوال والأوقات، ومقدر الأيام والساعات، خالق الأرض والسماوات، وجاعل النور والظلمات، نحمده تعالى على جميع العطايا والهبات، ونشكره على نعمه السابغات، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له حثنا على اغتنام الأوقات، والاعتبار بالأيام الماضيات، ونهانا عن الأسى على ما فات، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الذي ارتقى مدارج الكمالات، وسما بفضله على جميع الكائنات، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، وعلى كل من اهتدى بهديه من أولي الفضل والمكرمات..

أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: رحلة الأيام والشهور والأعوام، لا تتوقف بأي حال من الأحوال، وإن من مراحل حياتنا التي قطعناها من سفرنا إلى الآخرة، هذا العام الهجري الذي سنودعه اليوم ولن يعود إلينا أبداً إلى يوم القيامة، وقد جاء في الأثر: أنه ما من يوم ينشق فجره، إلا وينادي ويقول يا ابن آدم أنا يوم جديد، وعلى عملك شهيد، فاغتنمني بعمل صالح، فإني لا أعود إلى يوم القيامة) فكان لابد من استغلال أيام العمر وشهوره وسنواته، فيما يعود بالنفع على الفرد في دينه ودنياه وآخرته، وبذلك فليفرح ويستبشر فقد أدى ما عليه وقام بواجبه، وكل يوم وهو في زيادة من خير أو معروف أو عمل صالح يقربه إلى الله، فليس من العقل أن يفرح مَن يومه يهدم شهره، ومن شهره يهدم عامه، ومن عامه يهدم عمره، وكيف يفرح من يقوده عمره إلى أجله، وتقوده حياته لموته، وكيف يفرح والدنيا قد ارتحلت مدبرة، والآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل، قال تعالى: ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) وقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزولُ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ : عن عُمرِهِ فيمَ أفناهُ ؟ وعن علمِهِ ماذا عمِلَ بهِ ؟ وعن مالِهِ مِن أينَ اكتسبَهُ وفيمَ أنفقَهُ ؟ وعن جسمِهِ فيمَ أبلاهُ) وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قَالَ : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِمَنْكِبَيَّ ، فقال : ( كُنْ في الدُّنْيَا كَأنَّكَ غَرِيبٌ ، أَو عَابِرُ سَبيلٍ ) وَكَانَ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما يقول : إِذَا أمْسَيتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ  وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ  وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ)  وقد وكل الله بكل إنسان ملكين من ملائكته؛ أحدهما عن يمينه يكتب الحسنات، والآخر عن شماله يكتب السيئات؛ قال تعالى: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) وهناك غيرهم يتعاقبون علينا بالليل والنهار ليرفعوا تقارير للملك الجبار سبحانه عن أعمالنا صغيرها وكبيرها؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ باللَّيْلِ ومَلَائِكَةٌ بالنَّهَارِ، ويَجْتَمِعُونَ في صَلَاةِ الفَجْرِ وصَلَاةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ ربهم وهو أعْلَمُ بهِمْ: كيفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فيَقولونَ: تَرَكْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ، وأَتَيْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ).. قال أهل العلم: ومعنى (يتعاقبون): تأتي طائفة بعد طائفة، وأما اجتماعهم في الفجر والعصر فهو من لطف الله تعالى بعباده المؤمنين، وتكرمة لهم بأن جعل اجتماع الملائكة عندهم ومفارقتهم لهم في أوقات عباداتهم واجتماعهم على طاعة ربهم، فتكون شهادتهم لهم بما شاهدوه من الخير).. وعَنْ أَبِي مُوسَىٰ الأشعري رضي الله عنه قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، فَقَالَ: إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَنَامُ وَلاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ)

قال أهل العلم: معناه يُرفَع إليه عملُ النهار في أول الليل الذي بعده، وعملُ الليل في أول النهار الذي بعده فإن الحَفَظة يصعدون بأعمال الليل بعد انقضائه في أول النهار، ويصعدون بأعمال النهار بعد انقضائه في أول الليل)

أيها المؤمنون والمؤمنات: رحيل الأيام والشهور والسنوات من أعمارنا، يذكرنا دائماً بدنو الآجال، واستمرار الرحلة إلى الدار الآخرة، دون توقف ولو حتى للحظة واحدة، قال تعالى (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ) فأين الزاد لهذه الرحلة؟ كيف هو إيمانناً بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ وكيف هي عباداتنا وأخلاقنا ومعاملاتنا؟ كيف هي حياتنا مع القرآن والصلاة، والصيام، والذكر والدعاء؟ هل قمنا بواجباتنا تجاه ديننا وأوطاننا وأمتنا؟ ماذا أنجزنا من أعمال صالحة تبيض وجوهنا (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) … قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: إِنَّكُمْ تَغْدُونَ وَتَرُوحُونَ فِي أَجَلٍ قَدْ غُيِّبَ عَنْكُمْ عِلْمُهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْقَضِيَ الْآجَالُ وَأَنْتُمْ فِي عَمَلِ صالح فَافْعَلُوا) وقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: (حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ فِي الْحِسَابِ غَدًا أَنْ تُحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ  وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ  يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ، لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) وكان عثمانُ رضي الله عنه إذا وقَف على القبرِ بكى حتى تُبَلَّ لحيتُه، فقيل له، تذكُرُ الجنةَ والنارَ فلا تبكي، وتبكي من هذا؟  فقال إن النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال  إن القبرَ أول منازلَ الآخرةِ، فإن نجا منه، فما بعدَه أيسَرُ، وإن لم يَنجُ منه، فما بعدَه أشدُّ منه)

وكان علي بن طالب رضي الله عنه يقول: ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم فإن عمل خيراً استزاده، وإن عمل شراً أستغفر الله)

عباد الله: لو راجع كل واحد منا كشف حساب أعماله خلال عام مضى لوجد عجباً عجاباً إلا من رحم الله، فكم من عبادة أضاعها؟ وكم من فريضة تهاون بها؟ كم معروف تكاسل عنه؟ كم منكر سكت عليه؟  كم نظرة محرمة أصابها؟ كم كلمة فاحشة تكلم بها؟ كم أغضب والديه ولم يرضهما؟  كم قسى على ضعيف ولم يرحمه؟  كم من الناس ظلمه؟ وكم من الناس أخذ ماله؟  وكم من ظالم ناصره؟ وكم من معروف طمسه؟ وكم من شهادة كتمها؟ وكم من دماء للمسلمين شارك في سفكها بالفعل او القول او التشفي والرضى؟ وكم من إخوة وأصدقاء وأرحام  قطعها، بسبب خلاف في وجهات النظر أو بسبب عصبية جاهلية ذميمة، أو بسبب موقف تافه وعابر ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَتَدْرُونَ من المُفْلِسُ؟ قالوا: المُفْلِسُ فِينا مَن لا دِرْهَمَ له ولا مَتاعَ، فقالَ: إنَّ المُفْلِسَ مِن أُمَّتي يَأْتي يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيامٍ، وزَكاةٍ، ويَأْتي قدْ شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذا مِن حَسَناتِهِ، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ). وبالمقابل هناك من يعيش بيننا وكشف حساب إنجازهم خلال عام مضى أعمال تفتح لها أبواب السماء، فقد قاموا بما أفترض الله عليهم وأدوا واجباتهم، صبروا في مرضات الله، واستقاموا على الصراط، وادركوا حقيقة الدنيا وتزودوا للرحلة، واستفادوا من أعمارهم وعاشوا حياتهم لله عز وجل في السراء والضراء والعسر واليسر، ولذلك يكون الجزاء في الدنيا والآخرة عظيم، ففي الدنيا معونة الله وتثبيته لهم، وفي الآخرة قال الله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ *إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ *كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) وربما لم تكن أعمال كثيرة ولكنها أعمال توفر فيها الإخلاص والصدق وطلب مرضات الله عز وجل ، مع خوف من الله واستصغارها، فكتب الله لها القبول، قال بعض السلف: (من أمضى يوماً من عمره في غير حقٍّ قضاه، أو فرضٍ أدّاه، أو مجدٍ أثَّله أو حمدٍ حصَّله أو خير أسَّسه، أو علمٍ اقتبسه  فقد عقَّ يومَه، وظلَم نفسَه).

وفي هذا يقول الإمام الشّافعيُّ رحمه الله:

إِذَا هَجَعَ النُّوَّامُ أَسْبَلْتُ عَبْرَتِي

                                  وَأَنْشَدتُّ بَيْتاً وَهْوَ مِنْ أَلْطَفِ الشِّعْرِ

أَلَيْسَ مِنَ الْخُسْرَانِ أَنَّ لَيَالِــياً 

                                   تَمـُرُّ بِـلَا عِلْمٍ وَتُحـْسَبُ مِنْ عُمْرِي

إِذَا مَرَّ بِي يَوْمٌ وَلَمْ أَصْطَنِعْ يَداً

                                   وَلَمْ أَسْتَفِدْ عِلْماً فَمَا هُوَ مِنْ عُمْرِي

قال عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله: لو قيل لعالم الحديث حماد بن سلمة: إنك تموت غداً، ما قدر أن يزيد في العمل ـ أي الصالح ـ شيئاً. وعن وكيع بن الجراح قال: كان سليمان بن مهران رحمه الله، قريباً من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى في المسجد، وجلست إليه أكثر من ستين سنة فما رأيته يقضي ركعة..

 وكان الربيع بن خثيم رحمه الله يُقاد إلى الصلاة وبه الفالج ـ الشلل ـ فقيل له: قد رُخِّص لك.. قال: إني أسمع حي على الصلاة، فإن استطعتم أن تأتوها ولو حبواً فأتوها..

 وكان في الأمة العلماء وطلبة العلم والقادة والمرابطين على الثغور وكان منهم التجار والقضاة وعلماء الطبيعة والرياضيات والكيمياء والطب، وبهم ازدهرت هذه الأمة وانتشر الإسلام وحفظت كرامة المسلم وتعلمت واستفادت أمم الأرض من حولنا عندما كان من الأسباب استثمار الأوقات وبلوغ الغايات وتحقيق الأهداف.

فعليكم رحمكم الله بالتزوُّد من الأعمال الصالِحات، والمُسابقَة إلى الطاعات المُتنوِّعات، فالله جل وعلا يقول في الحديث القُدسي: (يا عبادي! إنما هي أعمالُكم أُحصِيها لكم، ثم أُوفِّيكم إياها، فمن وجدَ خيراً فليحمَد الله، ومن وجدَ غيرَ ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسَه).

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي كتب على الخلائق الفناء والزّوال، فكان لكلّ نازلٍ في هذه الدنيا رحيلٌ وانتقال، نحمده سبحانه وتعالى وهو الكبير المتعال، ونشهد أنّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أنّ سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيّه وخليله، صلى الله وسلّم وبارك عليه، وعلى آلهِ وصحبه والتّابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها المسلمون: الدُّنيا دارُ بلاءٍ وفناءٍ، والآخرةُ دارُ جزاءٍ وبقاءٍ، الدُّنيا متاعُ الغُرُور، إنما هي ساعاتٌ وأيامٌ وشُهورٌ، وسِنُون ودُهُور، تفنَى الأعوامُ وتتلاحَقُ الدُّهور، وتمضِي الأيامُ وتمُرُّ الشُّهور، (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) تفنَى الأجيال وتنتَهِي الآمال وتنقَضِي الآجال والأعمار و(كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ  وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)، (إنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ)

حارتِ الأفكارُ في قدرةِ مَنْ

                               قدْ هدانا سُبُلاً عزَّ وجلْ

كتبَ الموتَ على الخلقِ فكمْ

                         فلَّ مِنْ جَمْعٍ وأفنى منْ دُولْ

أَيْنَ نَمْرُودُ وَكَنْعَانُ وَمَنْ

                            مَلَكَ الْأَرْضَ وَوَلَىَّ وَعَزَلْ

أَيْنَ عَادٌ أَيْنَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ

                         رَفَعَ الْأَهْرَامَ مَنْ يَسْمَعْ يَخَلْ

أَيْنَ مَنْ سَادُوا وَشَادُوا وَبَنَوْا

                             هَلَكَ الْكُلُّ وَلَمْ تُغْنِ الحيل

أَيْنَ أَرْبَابُ الْحِجَى أَهْلُ النُّهَى

                          أَيْنَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْقَوْمُ الْأُوَلْ

سيُعيــدُ اللهُ كُـلاً مِنهـمُ

                     وَسيَجـزِي فَاعِـلاً مـا قـد فَعَـلْ

فعلينا عباد الله أن نعتبر بمن قد مات قبلنا، ونستعد للموت الذي يأتي بغتة، فإن ذلك أدعى للعمل والاستكثار من الصالحات فإن الإنسان لا يدري كم له في العام الجديد من عمره هل سيكمله؟ أم أنه لم يبق له فيه إلا شهور وأيام، وعلينا أن نحاسب أنفسنا وننظر في سجل أعمالنا فإن أحسنا فيه فلنحمد الله على ذلك ولنسأله المزيد من فضله والثبات على دينه حتى نلقاه وإن كنا أسأنا وأذنبنا وأخطأنا وهو الواقع فلنتب إلى الله توبة صادقة من ذنب عملناه ومن كل سوء فعلناه عله يختم لنا بخير فإن العبرة بالخواتيم، وعلينا  أن نعقد العزم على تجديد العهد مع الله وأن نستكثر من الطاعات وأن لا نفوت فرصة من فرص الخير إلا حرصنا عليها وسابقنا في تحصيلها وأن نبتعد عن الذنوب والآثام والخطايا والأوزار وإن حصلت من أحدنا زلة أو هفوة بادرنا إلى الاستغفار منها والتوبة إلى الله منها ورحمة الله واسعة طالما أن العبد كلما أذنب تاب وآب، وعلينا أن نحرص على نافلة الصيام في هذا الشهر المحرم الذي نستقبله، فصومه أفضل الصوم بعد صيام رمضان، كما قال صلى الله عليه وسلم: (أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ) وخاصة اليوم العاشر منه الذي نجى الله فيه موسى وقومه

من شر فرعون وقومه، فصامه النبي صلى الله عليه وسلم شكراً لله، وصومه يكفر سنة ماضية، كما قال صلى الله عليه وسلم: صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ) ويستحب أن يصام معه اليوم التاسع كما قال صلى الله عليه وسلم:  (لَئِنْ بَقِيتُ إلى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ) مخالفة لأهل الكتاب وهذا من فضل الله علينا أن أعطانا بصيام يوم واحد تكفير ذنوب سنة كاملة والله ذو الفضل العظيم.

نسأل الله جل وعلا أن يجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أعمارنا أواخرها، وخير أيامنا يوم نلقاه، وأن يتوفانا راضياً عنا غير غضبان إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

اللهم اجعل نهاية هذا العام بداية لفرح ونهاية لكل هم وغم وضيق، اللهم بارك لنا فيما هو آت واغفر لنا ما مضى من عمرنا اللهم اجعل نهاية هذا العام فرحة لنا ولمن نحب وبارك لنا في أهلنا وأولادنا واغفر لمن مات منا يارب العالمين.

اللهم وفقنا لاغتنام الخيرات في كل وقت وحين، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. اللهم وارزقنا حسن الخاتمة، وأعذنا من سوئها، وثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم أعز الإسلام وانصر والمسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم أحفظ بلادنا البحرين وبلاد الحرمين الشريفين واحفظ خليجنا، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.

اللهم كن لإخواننا المستضعفين المظلومين في كل مكان ناصراً ومؤيداً، اللهم أحفظ بيت المقدس وأهل فلسطين والمسجد الأقصى، وأحفظ أهله، والمصلين فيه واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين. اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا، وعاف مبتلانا، واشف مرضانا واشف مرضانا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 اللهم أغفر لموتانا وموتى المسلمين، اللهم نور مرقدهم، وعطر مشهدهم وطيب مضجعهم وآنس وحشتهم، ونفس كربتهم، وقهم عذاب القبر وفتنته اللهم قهم عذابك يوم تبعث عبادك اللهم أدخلهم الجنة مع عبادك الصالحين المقربين، وارحمنا يا مولانا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه، برحمتك يا أرحم الراحمين.

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

       خطبة جامع الفاتح الإسلامي -عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين